أخبار العالم

من خيام النزوح إلى قمة السلّم المدرسي.. طلاب المخيمات يتصدرون نتائج الثانوية السورية | أسلوب حياة


إدلب – وسط خيام قماشية متلاصقة في مخيمات النزوح شمال سوريا، ومن داخل جدران هشة لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء، كتب مجموعة من الطلاب حكاية استثنائية تُثبت أن الإصرار على بلوغ الهدف أقوى من كل معاناة. عاشوا طفولتهم في المخيمات وكبروا فيها، لكنهم استطاعوا أن يضيئوا عتمتها بنجاحهم، ليشقّوا طريقهم نحو مقاعد الجامعات متجاوزين الفقد والفقر والتشرد.

ورغم قسوة الظروف وضيق العيش، تمكنوا من إحراز أعلى الدرجات وتصدروا قوائم المتفوقين. لم يكن طريقهم مفروشا بالكتب الجديدة أو الفصول المجهزة، بل كان مليئا بالصعوبات وضجيج المخيمات وأضواء خافتة من مصابيح صغيرة تقاوم ظلام النزوح. ومع ذلك، جعلوا من خيمهم المتواضعة منارة للتفوق، ورسالة إنسانية تقول إن الطموح لا ينكسر حتى في أقسى لحظات الغربة والفقدان.

اقرأ أيضا

list of 2 itemsend of list

علامة كاملة رغم الفقد

الطالبة ميس الخليف شكّلت حالة ملهمة بعد أن نالت العلامة التامة 240 من 240 في الثانوية العلمية، متحدية نزوحها وفقدانها لأعز السند. تقول إنها خاضت “25 محاولة لإطفاء الحلم”، لكن النجاح كان حليفها في النهاية.

ميس فقدت والدها في تركيا أمام عينيها بعدما عجزت عن إنقاذه بسبب صعوبة اللغة وعدم معرفة سُبل العلاج، ثم عادت إلى سوريا لتعيش في كنف جدها الذي سرعان ما فارق الحياة هو الآخر، لتجد نفسها تواجه فقدا ثانيا. لكنها، كما تروي للجزيرة نت، تمسكت بالوعد الذي قطعته لوالدها بأن تصبح طبيبة تساعد الناس في رحلة نزوحهم القاسية، وتعين المشردين والعاجزين.

وتضيف “الإصرار على طريق العلم الذي رسمه لي والدي قبل رحيله هو ما دفعني للاستمرار. لم يكن مجرد حلم، بل هو هدف وضعتُه أمام عيني وتحديت كل المصاعب لأصل إليه”.

تتابع وهي تغالب دموعها “لحظة إعلان النتيجة كانت كالحلم. أخي طارق ناداني بصوت مرتفع: ميس طلعت النتائج. بدأت أرتجف وأفقد السيطرة على أصابعي، لكنني فتحت الموقع، وكانت المفاجأة: 240 من 240. عانقت جدتي فورا وقلت لها: الحلم أصبح حقيقة”.

التفوق من قلب المعاناة

من بلدة حاس جنوب إدلب إلى مخيمات بابسقا شمال إدلب، عاش محمد اليحيى 7 سنوات من النزوح وهو يواجه ضجيج المخيمات ونقص الكادر التدريسي، لكنه تحدى كل ذلك ليحصد 235 من 240.

يقول “النجاح لم يكن أمنية، بل هو نتيجة عامين من السهر والحرمان. كنت أمتنع عن الخروج مع أصدقائي كي لا يضيع وقتي بعيدا عن الكتب”.

ويصف لحظة إعلان النتائج قائلا “كنا في زيارة عائلية، وفجأة تعالت أصوات الزغاريد. تساءلنا: هل صدرت النتائج؟ وما هي إلا لحظات حتى جاء الخبر اليقين. كانت الفرحة في عيني والدي ووالدتي أغلى من النتيجة نفسها. عندما قالت لي أمي: أنا فخورة بك، رفعت رأسي يا أجمل دكتور. شعرت أن كل التعب صار ذكرى جميلة”.

إصرار بدعم من الأسرة

الطالبة مرح العلي التي نالت 238 من 240، تحدثت عن تأثير النزوح المتكرر على دراستها “منذ انطلاق الثورة السورية ونحن ننتقل من مكان إلى آخر، ما بين مدارس مختلفة ومعلمين وصديقات جدد، وهذا أثّر على استقرارنا التعليمي”.

لكنها أكدت أن الإصرار كان سلاحها، مشيرة إلى أن والدتها، معلمة الرياضيات، كانت تسهر معها كأنها هي الطالبة، بينما والدها منحها القوة لتستمر. وتقول “الخيام لم تمنعني من النجاح، بل كانت دافعا لأثبت أنني قادرة على الوصول إلى كلية الطب البشري”.

عودة إلى مقاعد الدراسة

من دمشق إلى مخيمات كفر لوسين على الحدود السورية التركية، روت سارة سرحان معاناتها بعد أن حرمتها الحرب من والديها لتبقى مع أخيها المعاق. تقول “التهجير لم يكن رحلة باختيارنا، بل فرض علينا. لكن عمي تكفل بي وأعادني إلى الدراسة”.

وتتابع “لم أستهدف تحقيق مجموع عادي، بل كنت أريد القمة. واليوم حصلت على 238 من 240”.

من تحت البراميل إلى قمة التفوق

الطالب صالح الجمل، الذي نزح من بلدة كفر نبودة بريف حماة إلى مخيمات قاح شمال إدلب، حصل على 239 من 240. يتذكر طفولته في الصف الأول حين بدأت رحلة النزوح، ويقول إنه لا يزال يسمع في أذنيه صوت البراميل التي أصيب بأحدها، لكنه تجاوز كل ذلك.

ويضيف “من خيمة النزوح إلى مقاعد الجامعة، كتبت تاريخا جديدا. نجاحي هو النور الذي ترى والدتي من خلاله الحياة، والطريق الذي رسمه لي والدي بجهده وتعبه”.

بهذه الشهادات، يتحول مشهد الخيام الباردة والظروف القاسية إلى لوحة أمل، يكتبها طلاب نزحوا من بيوتهم لكنهم لم ينزحوا عن أحلامهم. ففي كل قصة من قصصهم، يتأكد أن التعليم في المخيمات ليس مجرد وسيلة للنجاة، بل هو رسالة إنسانية تلخّص أن الطموح لا يُهزم مهما كانت قسوة الطريق.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى